مقال أعجبني لديڤيد ماكس، مهندس برمجيات في شركة لينكد إن...... اترككم مع نصه.
هل أنت ذكي ؟؟
سؤالٌ ذكي بفضولٍ بريء سألني إياه طفلٌ في العاشرةِ من عمره.
كتن ذلك خلال محادثةٍ مرئيه بيني و بين الطلبه في صفهم المدرسي ضمن فعاليات
أسبوع "علوم الكمبيوتر" لطلبة المدارس. كانت تفصلنا مسافةٌ شاسعه فقد كنت أقوم بهذه المحادثه
من مكتبي في نيويورك بينما الصف المدرسي في ولاية تكساس.
لكن ذلك لم يعفيني ابداً من استقبال أسئلة الصغار الذكيه، المليئة بالفضول البريء.
هل أنت ذكي ؟!
من الواضح أنني قد أتمكن من الإجابة على هذا السؤال بـ "نعم" أو "لا"
فإن أجبت بـ "لا" فستعتبرني إما متواضعاً أو صادقاً "ذلك يعتمد على وجهة نظرك بالطبع"
أما إن أجبت بـ "نعم" فمن يمكنه أن يكذبني؟!
أعني قد أتظاهر بالذكاء و أزيف ذلك أمام صفٍ دراسي
مليءٌ بأطفالٍ أعمارهم بين التاسعه و العاشره لمدة نصف ساعه دون أن يكتشف أحدٌ ذلك.
لكنني خشيت من كلتا الإجابتين و نتائجهما طبعاً........
طبيعة السؤال فرضت علي ذلك الخوف، و ذلك لأنها ستؤدي الى استنتاج نتيجة ثابته
و نمطٍ فكري راسخ لا يتغير....... كيف يكون ذلك ؟!
حسناً، الذكاء في العاده يفكر فيه معظم الناس كصفةٍ وُلِدَت مع الانسان لا يمكن أ تتغير كالطول او الصفات الخُلُقيه الأخرى. عندما يخبر الآباء أو المعلمون أبنائهم بأنهم أذكياء ويستعملون مقاييساً لإثبات هذه الحقيقه فهم بشكلٍ غير مباشر يرسخون في اعتقاد الطفل أن الذكاء و سرعة البديهه هي صفةٌ فطريه نشأت مع الطفل إما أن يملكها أو لا.
كانت المره الأولى التي عرفت فيها عن هذه الحقيقه عندما قرأت مقالاً في مجلة "New York Magazine"
بعنوان، "كيف لا يجدر بك الحديث مع أبنائك" لـ پو برونسون. كان ذلك المقال يتحدث عن بحثٍ للعالِمه النفسيه
كارول ديويك نشرته في كتابها : "نمط التفكير : الجديد في علم نفس النجاح" حيث أنها استنتجت أن إخبار الأبناء بأنهم أذكياء قد يولد كتلةً من النتائج السلبيه............ لكن كيف يكون ذلك؟! ، تأمل المثال التالي:
تخيل أن لدينا مجموعةٌ من طلاب الصف الرابع يدرسون مادة الرياضيات، لنقل أن چينيفر ذو العشرة أعوام تدرس في ذلك الصف، و استطاعت حل معادلةٍ رياضيه سهله في مادة الرياضيات بطريقةٍ سليمه. سنتوقع أن تقول لها مدرستها "ممتاز، مادمت قد حللتِ تلك المسأله فأنتِ ذكيةٌ جداً".
ما ستستنجه چينيڤر الصغيره هي هذه الحقيقه و التي ستعتبرها قاعدةً ثابته:
"ما دمت قد حللتُ تلك المسأله فأنا ذكيةٌ جداً جداً جداً، وحدهم الأذكياء من يستطيعون حل مسألةٍ مماثله"
لكن لاحقاً عندما تضع المدرّسه مسألةً رياضيةً أصعب على السبوره و تسأل الطلبه:
" هيا يا أولاد من يستطيع حل هذه المسأله؟! "
ستستوعب چينيڤر صعوبة المسأله و ستفكر في الآتي:
" يا إلهي، تلك مسألةٌ صعبه لا يمكنني حلها...... أنا لست ذكيةً بما فيه الكفايه لأحُل مسألةً بهذه الصعوبه، أتمنى ألا تختارني المدرسه لأستنبط الحل و اكتبه على السبوره"
ديويك وجدت في بحثها أن الأطفال الذين يخبرهم المحيطون بهم بأنهم أذكياء على الدوام و يحددون لهم مقاييساً لهذا الذكاء تترسخ في أذهانهم فكرةٌ مفادها أن الأذكياء يجب عليهم انجاز مهامهم بأقل مجهودٍ يُذكَر، و لا ينبغي عليهم العمل كثيراً في انجاز مهمةٍ محدده أو حل مسألةٍ رياضيه مثلاً. لذلك فهم عندما يواجهون تدرجاً في صعوبة المهام، يتحاشون الانخراط في تنفيذها.......ولماذا يتم ذلك؟!
لأنهم يعتقدون أن الأطفال الأذكياء لا "يفشلون" أبداً، و ليس من الممكن أن يجدون شيئاً صعباً أبداً، فقط
"لأنهم أذكياء"
ديويك وجدت أن الأطفال الذين يتبنون نمط تفكيرٍ مماثل، يتحاشون الانخراط في عمل مهامٍ صعبه تمثل تحدياً لهم. يحاولون في البدايه، لكن عندما يكتشفون صعوبة الأمر فإنهم يستسلمون بسرعه، لأنهم يعتقدون أن الأشياء التي
لا يجدونها سهله فهم ليسوا جيدين فيها و لا يملكون الذكاء اللازم للتعامل معها.
إذاً لماذا طرح علي ذلك الصبي هذا السؤال ؟!
"هل أنت ذكي؟! "
هل كان يريد أن يعرف درجة الذكاء التي يجب أن يحظى بها المبرمجون المحترفون ؟!
هل كان يريد أن يقارن ذكائه بذكاء المحترفين في مجال البرمجه كي يقيّم إن كان يستطيع أن يكون مبرمجاً في المستقبل ؟!
لا آمل ذلك، في رأيي فعمر العاشره ما زال مبكراً جداً على الأولاد ليقيّمون ماهي المهن التي سيشغلونها مستقبلاً قياساً على ذكائهم. أنا لا أنتقد أبداً ذلك الصبي، بالعكس هؤلاء الأطفال و معلمتهم كانوا رائعين للغايه،
كانوا مهتمين، متحمسين ومحبين للمعرفه، استمتعت كثيراً بالتفاعل معهم.
اعتقد أن ابنتي ذات العشرة أعوام سيناسبها هذا الصف الدراسي الذي توفرت فيه تلك البيئة التعليميه المحفزه.
إذاً، إذا كان النمط الفكري الثابت سيئاً للغايه فما هو البديل؟!
ديويك اقترحت اسلوباً معاكساً لتثبيت نمط التفكير الثابت، أسمته "نمط التفكير النامي"
و هو يقترح التالي في مسألة الذكاء:
أن تكون ذكياً ليس بالضروره أن ترث هذا الذكاء أو يُخلَق معك، هو نتيجةٌ طبيعيه للخبرات السابقه و التعلم و المجهود الذي بذلته على نفسك "لتصبح ذكياً"
الأطفال المعتادون على هذا النمط يعتقدون التالي:
المخ عضله من عضلات ينبغي أن نمرنها باستمرار و لا نهملها كي نزيد ذكائنا.
الأطفال الذين يُلَقّنون "نمط التفكير النامي" لا يخشون أبداً من مواجهة التحديات الجديده، فهم يرون فيها فرصةً للتحسن و التطوير، "إذا لم ننجح هذه المره لا بأس، على الأقل سنتعلم شيئاً جديداً"
و لا ينظرون إلى نجاح أقرانهم فيما فشلوا في تحقيقه كتهديدٍ لذكائهم
و نجاحهم بل يحاولون قدر الإمكان التعلم من الناجحين كي يحققون ما يصبون إليه.
بعد استيعاب جميع الحقائق السابقه، كانت إجابتي للطلاب كالتالي:
صحيح أنني أعمل مع مجموعةٌ كبيره من المبرمجين الأذكياء، لكن أن تكون مبرمجاً "ذكياً" ينبغي عليك أن تعمل بجد.
و هو شيءٌ ننفذه جميعاً كل يوم، الكثير منا درس علوم الحاسب في الجامعه كما فعلت، و ما زلنا نطور أنفسنا أكثر كل يوم.
كنت حريصاً على ذكر جزء ارتياد الجامعه، وذلك كي لا أحشو عقول الصغار بأفكار ترك المدرسه، فقد كان رجاء المعلمين ألا نحشو عقولهم الصغيره بهذه الأفكار كيلا نتفاجأ بالصغار يتركون المدرسه ليصبحوا
"ستيڤ جوبز أو مارك زوكربيرغ" القادم، كان رجائهم واضحاً" إذا لم ترتد الجامعه فالرجاء، لا تلقن ذلك للصغار"
بعد إجابتي تلك، تفاجأت بطفلةٍ صغيره في نفس العمر تسألني:
" عندما كنت في أعمارنا، هل كنت تعلم أن ما تفعله الآن هو ما أردت أن تكون عليه عندما تكبر ؟! "
ياااا إلهي، سؤال صعب........ سأكتب عنه لاحقاً.
لقراءة مقالات ديڤيد ماكس السابقه تفضل بزيارة الصفحه أدناه:
https://www.linkedin.com/today/author/davidpmax
و لمتابعته في تويتر
davidpmax@