حسناً لن أتحدث إليك يا صديقي القاريء كحائزي درجة الدكتوراه في الاقتصاد و لن أحدثك يا صديقي من واقعٍ تقني، اعتبر هذا المقال حديثاً عفوياً بين صديقين في مقهىً شعبي، تعلو فيه النداءات على عامل المقهى "عبدُه" ليأتي لزبائنه بأكواب الشاي و جمر الشيشه.
ربما يسعفنا الحظ بأن نشاهد تقريراً اقتصادياً عن أسعار النفط ذلك الذهب الأسود الذي تتنازع عليه الدول. لكن أهو بهذه الأهميه ليصبح حديث السياسيين ؟! أهو بتلك الأهميه التي تجعله مسيلاً للدماء أحياناً؟!
بالتأكيد لن تهتم بذلك التقرير و لن تهتم بسعر مزيج برنت و لن تهمك قرارات منظمة أوپك فعندما تسمع هذه المصطلحات ستردد: و ما دخلي أنا و ما يصلون له من قرارات؟! ما دخلي أنا ان ارتفعت أسعاره أو هبطت ؟! هل لذلك تأثيرٌ في حياتي ؟!
قبل أن أجيبك على كل هذا، أرجو أن تسترخي و ترتشف كوب الشاي أمامك، فكر معي بعد ذلك قليلاً.........هل تُعتَبَر دولتنا مصدِّرةً للشاي ؟!
بالتأكيد لا
حسناً قد يأتينا من الهند أو من شرق آسيا.
جميل.......تخيل أنك تملك مزرعةً للشاي و مساحتها كبيرةٌ جداً، ستحتاج إلى بعض الآليات لأعمال الحراثه فلنقل أنك استعنت بالعماله في أعمال الحرث و الحصاد لتقليل الكلفه و بالتأكيد ستحتاج أن تنقلهم، ستحتاج احياناً للطاقة الكهربائيه في مشروعك و ستأخذها في الحسبان طبعاً. ستحتاج أيضاً إلى بعض الشاحنات و المراكب أحياناً لنقل منتوجك الى نقاط البيع.
تخيل أن حظك السييء أوقعك في موسم ارتفاع أسعار النفط و مشتقاته. سيزيد ذلك تكاليف ايصال منتوجك لنقاط البيع و ستضطر أن ترفع الأسعار قليلاً كي تجني هامشاً للربح.
بضاعتك الآن في يد المورد الذي سيدفع بعض التكاليف لايصال منتوجك إلى أسواقه، بالتأكيد سيحتاج لأن يشحن منتوجك الذي امتلكه الآن في مصادر نقلٍ عابرةٍ للقارات.
سيصل الشاي الآن الذي يملكه المورّد الى بلد المورِّد و الذي سيحاول تعويض ما خسره أيضاً برفع سعره قليلاً اذا افترضنا أن بلاده لا تملك الامكانيات التي تمكنه من استيفاء خسارته عبر اجراءات محفزه للتوريد كتسهيلات دخول البضائع
مثلاً.
عموماً سيصل المنتج إلى كوبك كمستهلك في النهايه بسعر مرتفعٍ عن المعتاد أحياناً نتيجةً لعوامل العرض و الطلب و كلفة النقل و التوريد على سبيل المثال، و بالتأكيد ستكتب تغريدةً تنتقد فيها شاي "عبده" المرتفع السعر رغم أنه لا ناقة له و لا جمل في هذا الارتفاع.
لا أحاول هنا تبرير ارتفاع اسعار السلع أحياناً لأن الارتفاع في بلدنا هذا قد لا يكون مُبرَّراً دائماً فقد يكون نتيحةً للاحتكار و ما شابه. لكن لأن برميل النفط الواحد قد يُستَخرَج منه وقوداً للنقل و وقوداً لانتاج الكهرباء و مواداً أخرى تساعد على انتاج السلع فهذا يجعل النفط عاملاً مؤثراً في انتاج السلع و إيصالها اليك كمستهلك.
أتمنى أن أكون قد أجبتك جيداً يا صديقي بهذا المثال البسيط بالتأكيد العمليه أعقد من هذا السيناريو بكثير و التأثير أيضاً قد يمتد ليعلو بدولةٍ ما إلى أعلى مراحل التسليح و القوه و قد يدفع بأخرى الى أدنى مظاهر التفكك.
أخبرتك قبلاً لست اقتصادياً لكنني أحاول تبسيط المفاهيم لك، استمتع بشرب كوب الشاي و لا تزعج "عبدُه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق