تُوجد تعريفات كثيره للسخريه منها، استعمال الساخر ألفاظاً تقلب المعنى الى عكس ما يقصده المتكلم حقيقةً أو تصوير الشخص المستهدَف تصويراً مضحكاً إما بوضعه في صورةٍ مشوَّهه لا تصل إلى حد الإيلام أو تكبير العيوب الجسديه او تصرفاته نحو المجتمع بصوره غير مباشره.
القصد منها الانتقاد أولاً و الإضحاك ثانياً، أما اذا كانت بطريقةٍ عدوانيه تستهدف شخصاً بعينه فهي تسمى تهكماً.
آلفرد أدلر عرفها بأنها انفعال مركب نتيجةً للاشمئزاز و الغضب فاذا اشمئزينا من شيءٍ ما
تعدى على حياتنا نلجأ الى السخريه بغرض الترويح و إشباع زهونا البشري.
و هناك فرق بين السخريه و الفكاهه، فكل ما يُضحك بلا هدف هو فكاهه أما ما يُضحك بغية الوصول الى هدف ما أو لإظهار فكرةٍ ما هو سخريه. عادةً الوصول إلى هذا الهدف قد يكون بشكلٍ غير مباشر.
أما أساليبها فتتعدد، بدءاً من المحاكاه الحركيه
و الصوتيه و هي أقدم الأساليب مروراً بتحقير العظمه أو تفخيم التوافه، و انتهاءاً بالتلاعب اللفظي و تحوير معاني الألفاظ.
و أرقى أنواعها ما كان ينتقد فكرةً ما دون التعرض للأشخاص و هذا النوع راقٍ جداً، لأنه يساهم في إظهار فكرةٍ معينه و السخريةُ منها و انتقادها بغرض تصحيح المفاهيم أو التنبيه بما يترتب عليها فيما بعد.
مجتمعنا اعتاد التعريض المباشر للأشخاص و هذا طرح أمام المفكرين تحدياً كبيراً في تسخير نكاتهم للسخرية من الأفكار دون شخصنه. و ذلك لأن المتلقي في العاده سيربط بين ما يرى و بين "الشخصيات" لا بين ما يرى و بين
"الأفكار التي تطرحها تلك الشخصيات"
و السخرية من أفكار شخصٍ ما لا تعني أبداً التقليل من احترامه، فبطبيعة الحال قد تعترض عقولنا كل يوم الكثير من الأفكار التي ترسخ فيها، قد تكون هذه الأفكار ساذجةً بالنسبة للآخرين.
و قد تُواجَه ببعض السخرية اللاذعه.
و بالتأكيد لأننا ناضجون و سخريتنا هذه كانت بغرض طرح الرأي و الرأي المخالف فلن تفسد سخريتنا للود المعتاد بين البشر أي قضيه.
لكن قد تتجاوز سذاجة شخصٌ ما كل الحدود و ذلك قد يظهر في تعامله و ردةُ فعله تجاه السخرية التي يتعرض لها. و هذا قد يسهم في خلق خطوط عريضه في التعامل مع هؤلاء، قد يرى بعضهم الاستفزاز طريقةً مثلى ليفقد الضحيه توازنه و قد يرى بعضهم رصاصة الرحمه في منع المستهدف من إظهار المزيد من السذاجه عن طريق تجاهل ردود أفعاله.
معاناة المفكرين في مجتمعاتنا العربيه أن الأفكار تعرضت للتشخيص، أي أن شخصاً ما بعينه أصبح رمزاً لفكرةٍ معينه. و هذا ليس عيباً العيب الأكبر هو فرض نوعاً من التقديس لهؤلاء الأشخاص يحصنهم ضد النقد و السخريه.
و أحياناً تُحاط الأفكار بقداسةٍ لا تستحقها تجعل لها حصانةً ضد النقد و البحث و الدراسه و بطبيعة الحال السخريه إذا ثبتت سذاجتها فيما بعد.
فالعادات و التقاليد مثلاً أو الاجتهادات الفقهيه التي قد تكون محل نظرٍ و تدقيق يُنسى أنها من نتاج عقليةٍ بشريه لكنها تُحاط بهالةٍ من القدسيه تجعل نقدها عيباً و معصيه.
يكفي أن تظهر في مشهدٍ ما بمظهرٍ معين لترمى بالزندقه أو أن تقول بصوتٍ مضحك و لهجةٍ معينه
"البنت لولد عمها" لتُرمى بالانتقاص من احترام مجتمعٍ بأكمله.
و هنا أقول أن مهمة الانسان الساخر لا تنتهي بقرع جذور العقول المؤمنة بفكرةٍ ما عن طريق إبداعه في السخرية منها فحسب.
بل يتواصل دوره فيما بعد في التعامل مع ما قد يُطرَح ضده "شخصياً" في بعض الحالات. و لذلك فالتعقل مع ردود الفعل مطلوب و يزيد من فعالية أسلوب السخريه المُتبَع.
أتمنى يوماً ما أن يتفهم الناس أن السخريه ماهي إلا ردةُ فعلٍ ينبغي أن يُستفاد منها، و يُسعَد بها إن كانت بغرض الإضحاك أو يُحتَرَم أصحابها على الأقل................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق