الجمعة، 12 يونيو 2015

النفط و شاي عم عبدُه ٢

جميلٌ أن تكون قد استفدت كثيراً من حديثنا السابق، أعتقد أنه قد بقي لديك بعض التساؤلات أو أنني قد فتحت أعينك عليها.

ذكرت في حديثنا السابق أن هذا السائل الغريب قد يكون مسيلاً للدماء أحياناً، قد يساعد دولاً في الوصول إلى أقصى مراحل الارتقاء و قد يدنو بأمم أخرى إلى أدنى مراحل الانحطاط. 

لعلك الآن تتسائل، هل يملك برميلاً حديدياً سعته ١٥٩ ليتراً هذه القوه ؟! إجابتي ستكون بالطبع. 

باديء ذي بدء فلنعرف ما يحويه هذا الوعاء، لا أريد أن أعيد ما درسته في المدرسة الثانويه و ما تردد عليك أنه من بقايا حيواناتٍ ميته انضغطت.........الخ الخ الخ. 

لكن لنبدأ من مواصفاته بعد استخراجه، هذا السائل قد لا يكون شديد السواد بالضروره 
كما اعتدنا أن نرى في الصورة النمطية له. 
قد يكون سائلاً ثقيلاً بنياً على سبيل المثال في هذه الصور المرفَقه سترى أنواعاً منه. 


مصدر التنوّع هنا يعتمد على المواد المحتوي عليها فهي ما يحدد قيمته و فاعلية تكريره و كلفة انتاجه و معالجته أحياناً، كوزنه النوعي و نسبة الكبريت فيه. هذه العوامل قد تحدد أسعاره على سبيل المثال: كلما زادت نسبة الكبريت فيه كلما ازدادت معها تكاليف معالجته لاحقاً و بالتالي تفضل بعض الدول الأنواع ذو المحتوى الكبريتي المنخفض.

في العاده برميل النفط الواحد قد يُنتَج منه التالي: 

٦٨.٨٥  ليتر چازولين أو ما يُسمى تجاوزاً "بنزين"

٣٧.٣٧ ليتر ديزل

١٤.٦٢٨ ليتر وقود محركات توربينيه "نستخدمه في الطيارات عادةً"
 
٧.٧٩١ ليتر فحم كوك "يُستخدَم في صناعة الصلب" 

٦.٠٤٢ ليتر "وقود ثقيل" "يُستَخدَم في توليد الكهربا و تحلية المياه"
 
٤.٩٢٩ ليتر أسفلت

٣.٨١٦ ليتر مواد بتروكيميائيه
 
٣.٤٩٨ ليتر نواتج كيميائيه أخرى

١١.٦٠٧ ليتر غاز مُسال "يُستَخدم في التدفئه".



بعد كل هذه الأرقام أعتقد أنك بت تعرف الآن ما يمثله محتوى هذا البرميل الحديدي في حياة الشعوب اليوميه. إذاً فمن المفترض لهذا السائل أن يكون عاملاً مساعداً لتقدم حضارة البشر لا هادماً لها. هذا صحيح، لكن المشكله تكمن أن هذا السائل يوجد في أراضي الدول ذات السياده على أراضيها و أحياناً تندلع النزاعات إذا كان في مناطق حدوديه. هذا إلى جانب أن إنتاج هذا السائل يخضع بشكلٍ كامل أحياناً للقرار السياسي المُتخَذ من الدول المنتجه. 

لا ننسى أيضاً أن سباقات التسلح قد تكون مدعومةً بأرباح بيع هذا المورِد بالنسبة للمنتجين و مرهونةً بمقدار ما يُضَخ للدول المستهلكه المصنعة للسلاح من جهةٍ أخرى. و لأنه مرتبطٌ باقتصاديات بعض الدول ارتباطاً وثيقاً كدول الخليج مثلاً فهو يعطيها أهميةً استراتيجيه و قد ساعدها و مازال يساعدها في سباق التسلح المحموم الذي تشهده منطقتها. 
 
لنستعرض بعض الأحداث التي حصلت في السنوات الأخيره و التي طالعنا تقاريرها الاخباريه.

١- حرب الخليج: 
جميعنا يعرف حرب الخليج و التي كانت أسبابها نفطيةً و اقتصاديه في البدايه و ما نتج عنها في النهايه، من تعاقب للشركات الأجنبيه على حيازة الحق في التنقيب و الانتاج، و أدى ذلك إلى سوءٍ في الإدارة النفطيه التي كانت متجهةً نحو الاستفاده الوقتيه عوضاً عن مراعاة مبدأ الاستدامه. أدى ذلك في النهايه إلى تدهور صناعة العراق النفطيه في العقد الماضي.

٢- أزمة جنوب السودان و شماله:
بعد التقسيم و الحرب الأهليه و هدر الدماء في سبيل الاستيلاء على حقول البترول في جنوب السودان، كان الشمال متحكماً في الانتاج حيث أن أنابيب التصدير في الأراضي الشماليه. و جراء رفض الجنوبيين و الشماليين على تقسيم حصصهم من الانتاج البترولي توقف الجنوبيون عن ضخ البترول من أراضيهم و وقف الانتاج أحياناً، الوضع مازال متفجراً و دموياً إلى الآن.

٣- نزاع جزر فوكلاند: 
عام ١٩٨٢ نشبت حربٌ قصيرة الأمد بين الأرجنتين و بريطانيا للسيطره على جزر فالكلاند كان السبب سياسياً بحتاً "مجرد محاولةٍ لفرض السياده على هذه الجزر". وصل الطرفان إلى هدنه و توقف كل شيء. لكن الإعلان عن اكتشاف حقولٍ واعده في هذه المنطقه أدى إلى عودة التوتر السياسي بين الطرفين. و إن كان الوضع هادئاً حالياً فلا بد أن لا نغفل عن أن التوتر ما زال موجوداً.

إذاً فلأن النفط له ارتباطٌ بالمال و القوه و الأهميه فقد يتصرف البشر من منطلق مبدأهم القديم:
"أنا و من بعدي و الطوفان" فسباق المصالح قد يخرج عن مستوى التنظير و الخطابات و الصفقات ليتجه إلى الأرض دون تعقل. 

أظن أنك بعد كل هذه الأحداث قد أصابك الصداع، سأنادي عم عبدُه ليسعفنا ببعض الشاي لعله يُذهب ما نتج عن هذا الصداع السياسي. 

المراجع: 
1) 6 Global conflicts that have flared up over oil and gas - Michael T. Klare 

2) هكذا انتقلت حرب البترول من اليابسه إلى البحار
صحيفة المساء المغربيه


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق